كيف أصبح "أمبرطورية إنلاند" وصية ديفيد لينتش السينمائية - أخبار اليمن

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
كيف أصبح "أمبرطورية إنلاند" وصية ديفيد لينتش السينمائية - أخبار اليمن, اليوم الاثنين 31 مارس 2025 12:50 مساءً

لماذا يعتبر بعضهم "أمبرطورية إنلاند" الذي عُرض في العام 2006 بمثابة وصيّة ديفيد لينتش الفنية، تحلّق بروحه وفلسفته وأفكاره وإرثه في فضاء الفنّ، مع انه أنجز مسلسلاً بعد ذلك، ورغم انه كان يستعد لتصوير فيلم جديد؟ هذا الاعتبار قد يكون فيه شيء من التمنّي، ولو ان العديد من العناصر تؤكّد أننا أمام عمل أخير طوى فيه صاحب "مولهولند درايف"، الكثير ممّا صنع فنّه، مودّعاً زمن ومرحباً بآخر.

يحمل الفيلم كلّ ثوابت لينتش الذي كان آنذاك على أبواب الستين. لكن راديكاليته حملته هذه المرة إلى كسرها كلها، وهو كسرٌ طال مستوى السرد وآلية الإنتاج التقليدية. انه انقطاع عن الماضي وامتداد له في حين واحد. نوع من الفرز واعادة تموضع. انه الفيلم الذي تحرر فيه من كلّ شيء ليبلغ الحرية المطلقة، وهذا ما يحلم به كلّ فنّان. 

نحن حيال عمل يتخطّى حدود السينما المعتادة ليعود ويتقاطع مع تيمات لينتش: من الهوية المتشظية إلى الكابوس الأميركي عبوراً بالغموض. هذا "الشيء" السينمائي، الذي هزّ كياننا منذ اللحظة الأولى، ليس مجرد فيلم. إنه بانوراما شاملة، أشبه برحلة داخل وعي فنّان، أقرب إلى حلم لا ينفك عن الانزلاق نحو الكابوس.

 

أوديسّة لينتش الضائعة بين الفردوس والنار.

أوديسّة لينتش الضائعة بين الفردوس والنار.

 

يستحضر هذا العمل الميتافيزيقي الذي يهدم باستمرار الحدود بين الواقع والخيال، طموحاً فريداً في السينما. لكنه في الوقت ذاته، تجربة أكثر خصوصيةً وجرأةً، وكأن لينتش، الذي لطالما ارتبط اسمه بالغرابة والغموض، يختبر حدود ذاته وحدود السينما وحدود الجمهور. فيلمه هذا أشبه بممارسة الحبّ ونشوة اختلاط الأجساد في عتمة تتداخل فيها الرؤية باللمس.

"أمبراطورية إنلاند"، الذي عُرض للمرة الأولى في مهرجان البندقية 2006، منعطف حقيقي في مسيرة لينتش. خطوة نحو إعادة تعريف الفنّ السينماتوغرافي. عنوانه يحرص على التلميح إلى وادي إنلاند حيث يعيش لينتش، لكن معانيه تقفز من الجغرافيا إلى متاهات الوعي. باستخدام كاميرا "دي في"، غادر لينتش تقاليد السينماسكوب التي لطالما عشقها، ناقلاً لنا الحياة من خلال عدسة تبدو أقرب إلى ثقب إبرة. الصورة غير صافية، الصوت متقطّع غير مضبوط، وهذا الجانب ما هو سوى قطيعة واضحة مع معايير الجمال الهوليوودي التي تمجّد الصورة المنقّحة الباعثة على الحلم. هذا كله ليس إلا انعكاساً لحالة فقدان السيطرة التي يريدنا المخرج ان نعيشها معه.

داخل الفيلم، هناك إمرأة — أو ربما نساء متعددات في واحدة — تلعب دورها لورا درن. هي نيكي، ممثّلة تتورط في فيلم داخل فيلم، وفي حبكة تتلاشى فيها الحدود بين التمثيل والواقع. نعلم منذ البداية ان نيكي ستُقتَل. لكن أين؟ في الفيلم أو في الفيلم داخل الفيلم؟ هذه الأسئلة ليست سوى البداية في لعبة معقّدة يحاصرنا بها لينتش. كلّما تقدّمنا، ازدادت الأمور التباساً، حتى نجد أنفسنا، مثل نيكي، داخل متاهة لا مخرج منها.

 

فيلم بلغ فيه المعلّم الحرية الفنية المطلقة.

فيلم بلغ فيه المعلّم الحرية الفنية المطلقة.

 

لا يقدّم لينتش الحكاية بقدر ما يقدّم الشعور المرتبط بها. لا نشهد على أحداث نعيشها. كأن المخرج يسحبنا من موقعنا كمتفرجين واضعاً إيانا داخل العالم الذي بناه، حيث الموت ليس نهاية الأشياء، بل نوع من الولادة الثانية. ولعل أكثر المَشاهد تأثيراً هو ذلك الذي تواجه فيه درن لحظة موتها، مشهد يبدو كما لو أنه انعتاق روحي يمنحها ما لا يُمنح لأحد: فرصة رؤية لحظتها الأخيرة بعينين مفتوحتين.

لا يكتفي لينتش بتحدي السرد النمطي، بل يدمّره تماماً. يجعلنا ننتقل بين عوالم متوازية: هوليوود الخمسينات، بولندا الحديثة، وحتى عالم الأرواح الذي يتراءى لنا خلف الستار. أرانب تجلس في غرفة المعيشة، شخصيات بوجوه ممحوة، إمرأة تهرب من رجل يحمل في فمه مصباحاً كهربائياً. كلّ هذا يبدو كأنه نتاج هذيان أو حلم يعكس بوضوح عبقرية لينتش في خلق عوالم تتجاوز العالم المعترف به.

 

ديفيد لينتش (1946 - 2025).

ديفيد لينتش (1946 - 2025).

 

ما يميز "إمبراطورية إنلاند" عن غيره من أعمال لينتش، راديكاليته المفرطة التي لا تحفظ خط الرجعة. لا يحاول أن يُرضي أحداً، ناسفاً مفهوم السينما التقليدية، تلك التي تستند إلى الحبكة والوضوح، ليقدّم بدلاً منها تجربة تتطلّب من المُشاهد أن ينسى كلّ ما يعرفه. وكما قال جان كوكتو: “الأهم أن نؤمن لا أن نفهم". فالإيمان شرط أساسي للدخول في أوديسّة لينتش الضائعة في منتصف الطريق بين الفردوس والنار.

رغم ان مصطلح "تجربة" أصبح مستهلكاً في السنوات الأخيرة، فما من كلمة أدق في وصف هذا العمل الذي يدعو إلى التأمل الروحاني في معاني الحياة والموت وكلّ ما يقع بين تلك الصفحتين من ابتكار فنّي كأحد أمضى السبل في مقاومة النسيان. هذا عمل يفضي بنا إلى مكان أساسي في الكيفية التي تُقرأ فيها حدود الفنّ وحدود الحياة، حيث الشعور أبلغ قيمةً من الفهم. 

"أمبراطورية إنلاند" ليس فيلماً سهلاً وليس مطلوباً ان يكونه. إنه عمل لا يليق إلا بمَن يرى في السينما فنّاً يتجدّد باستمرار، فنّاً قادراً على كشف أسرار لا تخطر على بال. ومع كلّ غرابته، يبقى شهادة لقدرة لينتش على استدعاء الجمال من قلب الفوضى، والنور من أعماق الظلام.

قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال على شبكة أخبار اليمن : كيف أصبح "أمبرطورية إنلاند" وصية ديفيد لينتش السينمائية - أخبار اليمن, اليوم الاثنين 31 مارس 2025 12:50 مساءً

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق